الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة
7- بم يثبت شرب المسكر؟ يثبت شرب المسكر بالإقرار والبينة باتفاق العلماء. فالإقرار هو: أن يقر الشخص بشربه للمسكر، ولو مرة واحدة، ويبقى على إقراره، حتى تنفذ العقوبة، فإن رجع قُبِل رجوعه ودُرأ عنه الحد. والبينة: هي أن يشهد رجلان مسلمان عدلان على شربه للمسكر، ولو لم يبلغ به درجة الإسكار. جاء في كشاف القناع: (ولا يحتاجان لبيان نوعه) أي لبيان نوع المسكر. وأجاز فقهاء المالكية الحد بشهادة رجل واحد على الشرب، وشهادة آخر على تقيئه للمسكر، وبوجود رائحة الخمر، أو المسكر في الفم. 8- هل يثبت الحد بالرائحة والقرائن؟ ذهب جمهور العلماء إلى عدم ثبوت الحد بالرائحة، قال البهوتي: (ولا يحد بوجود رائحة الخمر، منه لاحتمال أنه تمضمض بها أو ظنها ماء فلما صارت في فيه مجها ونحو ذلك، والحد يدرأ بالشبهة). وقال: (ولو وُجد سكران أو تقيأها أي الخمر حد، لأنه لم يسكر أو يتقيأها إلا وقد شربها). وذهب فقهاء المالكية إلى اعتبار رائحة الخمر أو المسكر المنبعثة من الفم موجبة للحد، فلو شهد رجلان مسلمان عدلان بشم رائحة الخمر، أو المسكر من الفم ثبت بها الحد، واستدلوا لذلك بما روي عن عبد الله بن مسعود، أنه جلد رجلا وجد فيه رائحة الخمر. والذي عليه العمل بمحاكم المملكة اليوم، هو أن الحد يثبت بوجود رائحة الخمر أو قيئه مع وجود قرينة أخرى يقتنع بها القاضي؛ والمستند في ذلك قرار هيئة كبار العلماء رقم 53 في/1397هـ، الذي سنورد نصه قريبا. 9- التعليمات الصادرة بالتشديد على مروجي المسكرات: صدر بهذا الخصوص تعميم سمو وزير الداخلية رقم 16/8046 وتاريخ 15/3/1396هـ، وقد جاء فيه النص التالي: (تبلغنا الأمر السامي الكريم رقم 2010 في 26/1/1396هـ بشأن ما تقدم به فضيلة الشيخ / عبد الله بن حميد، رئيس مجلس القضاء الأعلى بخطابه رقم 1954/1 في /1395هـ عن كثرة تداول بيع الخمور في مدن المملكة وقراها وحتى مضارب البادية، مما لم يسبق له نظير في تاريخ هذه البلاد وذلك لعدم العقوبة الرادعة لمن يشربها أو من توجد بحيازته وقد حصل بسبب انتشارها أضرار كثيرة وقد تضمن الأمر الكريم التعميم بما يمكن من كف الأذى في مثل هذه الأمور. فنأمل تتبع مصادر هذه المادة والتحري عنها بصورة جدية ومستمرة بين الحين والآخر، والتحقيق الدقيق مع كل من يقبض عليه سواء متناولها أو مروجها، والتشديد عليهم لمعرفة مصادر تسربها قبل إحالتهم للمحكمة، وإفادتنا بتقارير مستمرة في حالة وجود ذلك وقد زودت وزارة العدل بصورة من هذا الخطاب برجاء إبلاغ المحاكم الشرعية لتقرير الجزاء الرادع بحق شاربها وتطبيق الإرادة الملكية بحق صانعيها مع ملاحظة الرجوع إلى سوابق كل منهم لمضاعفة الجزاء بحقه). وقد عُمم الأمر السابق على المحاكم بتعميم وزير العدل رقم /ت وتاريخ 20/4/1396هـ. 10- قرار هيئة كبار العلماء رقم (53) في 4/4/1397هـ بشأن الخمر وعقوبة شاربه: (الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وبعد: ففي الدورة العاشرة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الرياض من 22/3/1397هـ إلى 00/4/1397هـ جرى الإطلاع على البحث المقدم من اللجنة الدائمة، في موضوع شرب الخمر وعقوبة شاربه، وبعد تبادل وجهات النظر والمناقشة في الأمور الآتية: 1- عقوبة شارب الخمر. 2- تجزئة عقوبة شارب الخمر. 3- ثبوت الحد بوجود الرائحة أو القيء مع قرينة أخرى. 4- وجود الإنسان بحالة غير طبيعية. 5- تعزير من تكرر منه شرب الخمر بعد إقامة الحد عليه. وبعد الرجوع إلى النصوص الشرعية وكلام أهل العلم في الأمور المذكورة قرر المجلس ما يلي: 1- أن عقوبة شارب الخمر الحد لا التعزير بالإجماع، كما قرر أنه ثمانون جلدة ما عدا فضيلة الشيخ عبدالله بن قعود، فيرى أنه أربعون. 2- قرر المجلس بالإجماع استيفاء الجلد جملة واحدة وعدم تجزئته. 3- قرر المجلس بالأغلبية ثبوت الحد بوجود رائحة الخمر أو قيئه مع وجود قرينة أخرى يقتنع بها القاضي. 4- للقاضي أن يعزر من تكرر منه شرب الخمر ثلاثا وأقيم الحد عليه بعد كل مرة بما يراه من سجن وجلد ونحوهما مع إقامة الحد الواجب. والله الموفق، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم). 11- عقوبة المسكر: عقوبة شرب المسكر عقوبة حدية، وهي الجلد بشرط ثبوت الشرب، واختلف الفقهاء في مقدار الجلد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (أما شارب الخمر فيجب باتفاق الأئمة أن يجلد الحد إذا ثبت ذلك عليه, وحده أربعون جلدة, أو ثمانون جلدة. فإن جلده ثمانين جاز باتفاق الأئمة, وإن اقتصر على الأربعين ففي الإجزاء نزاع مشهور فمذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين أنه يجب الثمانون, ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى عنه أن الأربعين الثانية تعزير يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام, فإن احتاج إلى ذلك لكثرة الشرب أو إصرار الشارب ونحو ذلك فعل, وقد كان عمر بن الخطاب يعزر بأكثر من ذلك; كما روي عنه أنه كان ينفي الشارب عن بلده، ويمثل به بحلق رأسه). 12- إذا عاد للشرب الرابعة هل يقتل؟ روى الإمام أحمد رحمه الله عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر فاجلدوه, فإن عاد فاجلدوه, فإن عاد فاجلدوه, فإن عاد فاقتلوه». قال عبد الله: ائتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم عليَّ أن أقتله. وروى أبو داود عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه, فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه، فأتي برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده, ثم أتي به فجلده ورفع القتل وكانت رخصة». وروى الإمام الشافعي رحمه الله حديث قبيصة السابق، ثم قال: (والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره وهذا مما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم علمته). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقد روي من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شربها فاجلدوه، ثم إن شربها فاجلدوه، ثم إن شربها في الثالثة, أو الرابعة: فاقتلوه». فأمر بقتل الشارب في الثالثة أو الرابعة. وأكثر العلماء لا يوجبون القتل; بل يجعلون هذا الحديث منسوخا؛ وهو المشهور من مذاهب الأئمة. وطائفة يقولون: إذا لم ينتهوا عن الشرب إلا بالقتل جاز ذلك, كما في حديث آخر في السنن أنه نهاهم عن أنواع من الأشربة قال: فإن لم يدعوا ذلك فاقتلوهم. والحق ما تقدم. وقد ثبت في الصحيح أن رجلا كان يدعى حمارا، وهو كان يشرب الخمر; فكان كلما شرب جلده النبي صلى الله عليه وسلم فلعنه رجل، فقال: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: «لا تلعنه؛ فإنه يحب الله ورسوله»، وهذا يقتضي أنه جلد مع كثرة شربه). وقال أيضاً: (والقتل عند أكثر العلماء منسوخ وقيل هو محكم يقال: هو تعزير يفعله الإمام عند الحاجة). وقال الطحاوي رحمه الله بعد أن ذكر حديث قبيصة السابق: (فثبت بما ذكرنا أن القتل بشرب الخمر في الرابعة منسوخ، فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار، ثم عدنا إلى النظر في ذلك لنعلم ما هو فرأينا العقوبات التي تجب بانتهاك الحرمات مختلفة فمنها حد الزنا وهو الجلد في غير الإحصان فكان من زنى وهو غير محصن فحد ثم زنى ثانية كان حده كذلك أيضا ثم كذلك حده في الرابعة لا يتغير عن حده في أول مرة وكان من سرق ما يجب فيه القطع فحده قطع اليد ثم إن سرق ثانية فحده قطع الرجل ثم إن سرق ثالثة ففي حكمه اختلاف بين الناس، فمنهم من يقول تقطع يده ومنهم من يقول لا تقطع، فهذه حقوق الله التي تجب فيما دون الأنفس وأما حدود الله التي تجب في الأنفس وهي القتل في الردة والرجم في الزنا إذا كان الزاني محصنا فكان من زنى ممن قد أحصن رجم ولم ينتظر به أن يزني أربع مرات وكان من ارتد عن الإسلام قتل ولم ينتظر به أن يرتد أربع مرات. وأما حقوق الآدميين فمنها أيضا ما يجب فيما دون النفس فمن ذلك حد القذف فكان من قذف مرات فحكمه فيما يجب عليه بكل مرة منها فهو حكم واحد لا يتغير ولا يختلف ما يجب في قذفه إياه في المرة الرابعة وما يجب عليه بقذفه إياه في المرة الأولى فكانت الحدود لا تتغير في انتهاك الحرم وحكمها كلها حكم واحد فما كان منها جلد في أول مرة فحكمه كذلك أبدا، وما كان منها قتل قُتل الذي وجب عليه ذلك الفعل أول مرة ولم ينتظر به أن يتكرر فعله أربع مرات فلما كان ما وصفنا كذلك وكان من شرب الخمر مرة فحده الجلد لا القتل كان في النظر أيضا عقوبته في شربه إياها بعد ذلك أبدا كلما شربها الجلد لا القتل ولا تزيد عقوبته بتكرر أفعاله كما لم تزد عقوبة من وصفنا بتكرر أفعاله فهذا الذي وصفنا هو النظر وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين). والذي عليه العمل اليوم في محاكم المملكة هو التعزير بما دون القتل. .250- مصادرة: 1- التعريف:المصادرة في اللغة: من صادر أي طالب، وصادَرَهُ على كذا: طالَبَه به في إلحاح، وصادرت الدولة الأموال، أي استولت عليها عقوبة لمالكها. وفي الاصطلاح: المصادرة نزع ملكية الشيء المملوك بحكم شرعي. وعرفت بأنها: استيلاء الدولة على بعض الأموال الخاصة، دون مقابل، أو إتلافها، أو تمليكها لآخر، بسبب شرعي، رعاية للمصلحة العامة. 2- مشروعية المصادر: المصادرة معروفة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين وغيرهما من مصادرة الهدية التي أعطيت لابن اللتبية وهو من أحد العمال على الزكاة. وإباحته صلى الله عليه وسلم سلب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن وجده، فقد جاء في سنن أبي داود: أن سعد بن أبي وقاص أخذ رجلا يصيد في حرم المدينة الذي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلبه ثيابه، فجاء مواليه فكلموه فيه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا الحرم، وقال: من أخذ أحدا يصيد فيه فليسلبه ثيابه فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه. والفقهاء رحمهم الله مختلفون في جواز مصادرة المال، ومبني الخلاف على جواز المعاقبة بإتلاف المال من عدمه، وقد بينا ذلك في مصطلح (إتلاف). 3- المصادرة في الأنظمة: نصت الأنظمة السعودية على عدم جواز المعاقبة بمصادرة الأموال إلا بحكم شرعي، ومن ذلك ما ورد في المادة التاسعة عشرة من النظام الأساسي للحكم بالنص التالي: (تحظر المصادرة العامة للأموال، ولا تكون عقوبة المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي). وفي المادة السادسة والثمانين من نظام الإجراءات الجزائية النص التالي: (يجوز أن يؤمر برد الأشياء التي ضبطت في أثناء التحقيق ولو كان ذلك قبل الحكم، إلا إذا كان لازمة للسير في الدعوى أو محلا للمصادرة). وفي الواقع التطبيقي المعمول به في المملكة، لا يُلجأ إلى المصادرة إلا في أضيق الحدود، وفي قضايا معينة كجرائم ترويج المخدرات، أو الخطف، ونحوها من الجرائم الكبيرة التي تقضي التعليمات بأن ينظر بالوجه الشرعي في مصادرة الأشياء المستخدمة كوسيلة فعالة في تلك الجرائم، كالسيارات مثلاً المستخدمة في تهريب وترويج المخدرات أو في قضايا الخطف، ويتم النظر فيها من قبل القاضي الذي يتولى نظر القضية. 4- شروط المصادرة: يشترط لصحة المصادرة جملة من الشروط منها: 1- أن يكون الشيء المطلوب مصادرته مالاً. 2- أن تكون حيازته جريمة أو استعين به على ارتكاب جريمة. 3- أن يكون مملوكا للجاني. 4- أن تكون المصادرة مبنية على حكم شرعي. |